أحبُّ الأدب، ولا أَحبَّ إلى قلبي من تلك الساعة التي أختلي فيها بنفسي، فأمسك علي باب غرفتي، ثم أُسلم نفسي إلى كتابٍ أسترقه من وسط رفوف مكتبتي المنتصبة كالجبل أمامي، فأنتقل من هذا العالم التافه، عالم الحقيقة والألم إلى عالم المتعة والخيال...
فها أنا ذا واقف الساعة أمام هذه المكتبة في زهو وغرور،أجول ببصري أمام مئات الكتب التي أدارت لي ظهرها وتراكمت فوقها غبار النسيان...فأتساءل عن سبب إدبارها عني،أتراها غضبى علي كما تغضب الزوجة على زوجها؟
والحق أقول،إني أعامل هذه الكتب المسكينة وكأنها زوجاتي في الأدب ومحظياتي...
منهن الزوجة الودود الولود التي لا غنى لي عنها، فهي وحدها التي تنجب لي أبناء وبنات أفكاري،لذلك أبقيها بين رفوفي رحمة بها و برّاً بأياديها البيضاء علي،رغم ما لحق صفحاتها من شحوب واصفرار،إنها أم الأولاد كما يقولون...
ومنهن الجواري وملك اليمين،اللواتي أتسلى بهن ساعة شهوة...حديثهن مؤنس،وصفحاتهن شفافة ناعمة تواقة لمن يتلمَّسُهن ويُقَلِّبْهن ويروي ظمأهن من ماء العين...وبعدما أقضي منهن حاجتي وأطفأ لَوْعتي،ألقِ بهن تحت السرير،يُكابدن الهجر ويعانين الضجر،في انتظار أن أتذكرهن يوماً ما...
ومنهن السبايا والإيماء، اشتريت أغلبهن من على رصيف،فأنقذتهن من التسكع كالبغايا، لم أتصفحهن سوى مرة، فعافتهن نفسي الشَّموس،ولم أر طائلة من استبقائهن عدا ملء الفراغات في الرفوف واتِّخاذهن مُتكأً للكتب التي حَظِيَتْ وبَظِيَتْ...إلى أن يأتي ذاك اليوم الأسود الذي لم أدخر له ذاك الدرهم الأبيض،فأَجُرُّ خلفي هذه الجواري وأجرُّ خيبتي معهن إلى سوق الكتب القديمة أو قل سوق النخاسة... فأتحول إلى نخاس يعرض سباياه مثل السلعة الكاسدة، فأسرد محاسنهن وأبخس في الثمن لأول زبون يُقلبهن ويتلمس جلدهن ويغريه منظرهن الفاتن، فأبيعه بالجُملة غير آسف عليهن...فربما سأرجع غداً أو بعد غد لأشتري أضعاف أضعاف ما بعته اليوم...
ومنهن من لا أحبها ولا تحبني و" لا يُحب ناقتَها بعيري" ولا أطيق التحديق في نظراتها الشزرة، إنها "الحماه": أمهات الكتب... الثقيلة الظل، الغليظة الملمس، المغرقة في الجد، لم أرها مبتسمة قط، عَصِيَّةَ الفهم وحليفة الكِبْرِ... أُفٍّ لها ما أحوجني إليها، وتباً لها قد ضِقتُ ذِرعاً بها، ويا وَيْلها من يومي الأسود يا ويلها...
إليك إليك يا أمهات الكتب عني،فأنا لستُ منك ولستِ مني...
فمن أختار يا ترى لهذه الليلة عروساً، ومن منهن ستفوز بي لتؤنسني في وحشتي هذه،فتروي لي قصصها الشيقة حتى أغفو وتنام فوق صدري؟
آه...تذكرت كتاباً أهدته لي تلك التعيسة "واو"...
أتذكر ملامح وجهها جيداً...وجهٌ قد غزاه جبروت الزمن، واستطاب المقام داخل تجاعيده، و صال فيه صولة الملوك إذا دخلوا قرية فأفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة...
التقينا صدفة في رحلة قطار، بادرتني بالكلام سائلة عن عنوان الكتاب الذي أقرأ، أجبتها في تجهم:"غدر النسوان"،فضحكت ضحكات عالية وخطفت الكتاب من يدي مثل ساحر السيرك، وأخرجت من حقيبتها شيئاًً مغلفاً كالهدية، وقالت لي أن بداخله كتاب كانت تنوي إهدائه لحبيبها هذه الليلة بمناسبة عيد ميلاده...لكنها لم تعد تحبه لأنها باغتته في أحضان امرأة أخرى، فاستقلت أول قطار لتعود أدراجها من حيث أتت هذا الصباح...
وبجرأة قل نظيرها، فتحت محفظتي ووضعت هدية حبيبها السابق بداخلها، وقالت لي: سنفترق في المحطة القادمة وربما لن نلتقي مجدداً، فتذكرني بهذا الكتاب في ساعة خلوتك.ثم اختفت كساحر السيرك.
لم أفض غلاف الهدية من وقتها،وها هو كتابها لا يزال قابعاً في أعلى رف،سأمتطي كرسياً لألتقطه،ها أنا ذا أقف على طرفي أخمصيَّ وأمدد يدي إلى أقصى ما يمكن،رغم ذلك لا يزال بعيداً،أحس أن الكرسي ينزلق بي، المكتبة تتذبذب، إنها تميل نحوي،إنها تسقط علي،يا إلهي أغثني...إنني أختنق، كل الكتب جاثمة فوق صدري،عذراً يا زوجاتي...أرجوكن لا تقتلنني...
هديتها سقطت فوق وجهي كأن القدر يسخر مني،مكتوب عليها بخط صغير:
"متى تفهم يا وريث شهريار،يا من تذبح كل ليلة ألفاً من الجواري،متى تفهم يا عبد شهواتك أنني لست فتحاً من فتوحاتك؟ومتى تموت أيها الوحش ليستيقظ الإنسان بداخلك...؟"
تباً لك أيتها التعيسة "واو"... لقد قتلْتِنِي.
فها أنا ذا واقف الساعة أمام هذه المكتبة في زهو وغرور،أجول ببصري أمام مئات الكتب التي أدارت لي ظهرها وتراكمت فوقها غبار النسيان...فأتساءل عن سبب إدبارها عني،أتراها غضبى علي كما تغضب الزوجة على زوجها؟
والحق أقول،إني أعامل هذه الكتب المسكينة وكأنها زوجاتي في الأدب ومحظياتي...
منهن الزوجة الودود الولود التي لا غنى لي عنها، فهي وحدها التي تنجب لي أبناء وبنات أفكاري،لذلك أبقيها بين رفوفي رحمة بها و برّاً بأياديها البيضاء علي،رغم ما لحق صفحاتها من شحوب واصفرار،إنها أم الأولاد كما يقولون...
ومنهن الجواري وملك اليمين،اللواتي أتسلى بهن ساعة شهوة...حديثهن مؤنس،وصفحاتهن شفافة ناعمة تواقة لمن يتلمَّسُهن ويُقَلِّبْهن ويروي ظمأهن من ماء العين...وبعدما أقضي منهن حاجتي وأطفأ لَوْعتي،ألقِ بهن تحت السرير،يُكابدن الهجر ويعانين الضجر،في انتظار أن أتذكرهن يوماً ما...
ومنهن السبايا والإيماء، اشتريت أغلبهن من على رصيف،فأنقذتهن من التسكع كالبغايا، لم أتصفحهن سوى مرة، فعافتهن نفسي الشَّموس،ولم أر طائلة من استبقائهن عدا ملء الفراغات في الرفوف واتِّخاذهن مُتكأً للكتب التي حَظِيَتْ وبَظِيَتْ...إلى أن يأتي ذاك اليوم الأسود الذي لم أدخر له ذاك الدرهم الأبيض،فأَجُرُّ خلفي هذه الجواري وأجرُّ خيبتي معهن إلى سوق الكتب القديمة أو قل سوق النخاسة... فأتحول إلى نخاس يعرض سباياه مثل السلعة الكاسدة، فأسرد محاسنهن وأبخس في الثمن لأول زبون يُقلبهن ويتلمس جلدهن ويغريه منظرهن الفاتن، فأبيعه بالجُملة غير آسف عليهن...فربما سأرجع غداً أو بعد غد لأشتري أضعاف أضعاف ما بعته اليوم...
ومنهن من لا أحبها ولا تحبني و" لا يُحب ناقتَها بعيري" ولا أطيق التحديق في نظراتها الشزرة، إنها "الحماه": أمهات الكتب... الثقيلة الظل، الغليظة الملمس، المغرقة في الجد، لم أرها مبتسمة قط، عَصِيَّةَ الفهم وحليفة الكِبْرِ... أُفٍّ لها ما أحوجني إليها، وتباً لها قد ضِقتُ ذِرعاً بها، ويا وَيْلها من يومي الأسود يا ويلها...
إليك إليك يا أمهات الكتب عني،فأنا لستُ منك ولستِ مني...
فمن أختار يا ترى لهذه الليلة عروساً، ومن منهن ستفوز بي لتؤنسني في وحشتي هذه،فتروي لي قصصها الشيقة حتى أغفو وتنام فوق صدري؟
آه...تذكرت كتاباً أهدته لي تلك التعيسة "واو"...
أتذكر ملامح وجهها جيداً...وجهٌ قد غزاه جبروت الزمن، واستطاب المقام داخل تجاعيده، و صال فيه صولة الملوك إذا دخلوا قرية فأفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة...
التقينا صدفة في رحلة قطار، بادرتني بالكلام سائلة عن عنوان الكتاب الذي أقرأ، أجبتها في تجهم:"غدر النسوان"،فضحكت ضحكات عالية وخطفت الكتاب من يدي مثل ساحر السيرك، وأخرجت من حقيبتها شيئاًً مغلفاً كالهدية، وقالت لي أن بداخله كتاب كانت تنوي إهدائه لحبيبها هذه الليلة بمناسبة عيد ميلاده...لكنها لم تعد تحبه لأنها باغتته في أحضان امرأة أخرى، فاستقلت أول قطار لتعود أدراجها من حيث أتت هذا الصباح...
وبجرأة قل نظيرها، فتحت محفظتي ووضعت هدية حبيبها السابق بداخلها، وقالت لي: سنفترق في المحطة القادمة وربما لن نلتقي مجدداً، فتذكرني بهذا الكتاب في ساعة خلوتك.ثم اختفت كساحر السيرك.
لم أفض غلاف الهدية من وقتها،وها هو كتابها لا يزال قابعاً في أعلى رف،سأمتطي كرسياً لألتقطه،ها أنا ذا أقف على طرفي أخمصيَّ وأمدد يدي إلى أقصى ما يمكن،رغم ذلك لا يزال بعيداً،أحس أن الكرسي ينزلق بي، المكتبة تتذبذب، إنها تميل نحوي،إنها تسقط علي،يا إلهي أغثني...إنني أختنق، كل الكتب جاثمة فوق صدري،عذراً يا زوجاتي...أرجوكن لا تقتلنني...
هديتها سقطت فوق وجهي كأن القدر يسخر مني،مكتوب عليها بخط صغير:
"متى تفهم يا وريث شهريار،يا من تذبح كل ليلة ألفاً من الجواري،متى تفهم يا عبد شهواتك أنني لست فتحاً من فتوحاتك؟ومتى تموت أيها الوحش ليستيقظ الإنسان بداخلك...؟"
تباً لك أيتها التعيسة "واو"... لقد قتلْتِنِي.
الجمعة فبراير 13, 2015 11:50 am من طرف hajar
» لعبة من سيربح المليون
الثلاثاء يوليو 15, 2014 5:46 pm من طرف maryam
» موضوع عن التدخين
الخميس يناير 09, 2014 5:32 pm من طرف maryam
» موضوع عن الام
الخميس يناير 09, 2014 5:21 pm من طرف maryam
» conversation et vocabulaire partie 5
الجمعة ديسمبر 27, 2013 1:03 am من طرف Admin
» Les nombres de 1 à 100
الأحد نوفمبر 03, 2013 8:26 pm من طرف maryam
» المسيرة الخضراء
الأحد نوفمبر 03, 2013 12:23 pm من طرف maryam
» الطريق الى النجاح للدكتور ابراهيم الفقى الحلقه 1
الأحد نوفمبر 03, 2013 12:18 pm من طرف maryam
» بحث رائع : قلوب يعقلون بها
الخميس سبتمبر 26, 2013 7:52 pm من طرف Admin